افتتح سعادة السيد أحمد بن عبدالله آل محمود وزير الدولة للشؤون الخارجية وعضو مجلس الوزراء فعاليات مؤتمر الدوحة السابع لحوار الأديان الذي ينظمه مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان بالتعاون مع كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة قطر، واللجنة الدائمة لتنظيم المؤتمرات بوزارة الخارجية. وجاء المؤتمر في دورته الحالية تحت شعار مميز ألا وهو التضامن الإنساني، الشعار الذي يأتي على هامش مرحلة الحرجة تعيشها الإنسانية حاليا، مرحلة عنوانها الحروب والصراعات الدولية والكوارث الطبيعية، وقد أكد جميع المتحدثين في الجلسة الافتتاحية على أهمية قيمة التضامن بين البشر. 
وأكد سعادة السيد أحمد بن عبدالله آل محمود وزير الدولة للشؤون الخارجية وعضو مجلس الوزراء راعي الحفل في كلمته أمام الحضور على أهمية المؤتمر، والذي بات معلما من معالم العالم المعاصر، ويقف شاهدا على إيمان دولة قطر الراسخ بالحوار، واجتماع الأديان وتضامنها، والدعوة للطمأنينة والسلام بين البشر، في ظل القيادة الحكيمة للدولة.
وأضاف سعادة الوزير: إن أوضاع المجتمعات العالمية، ومشاكلها من حروب ودمار، وفقر، وجهل، وتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، والظلم الاجتماعي، والانحطاط الخلقي، والكوارث الطبيعية، والمجاعات، كل هذه الأوضاع تدعو الأديان كلها لتبعث دورها الفاعل في الحياة الإنسانية، وللتضامن فيما بينها لخير البشرية.
وأشار الوزير إلى أن المؤتمرات الست السابقة قد ساهمت في إذابة الجليد وكسر الحواجز بين أتباع الديانات، وأضاف بأنه يتمنى أن ينجح هذا المؤتمر في إرساء دعائم هذا التضامن، ووضع الأسس لمواجهة تلك المشاكل الإنسانية، ووضع قواعد لحياة كريمة للإنسان، مهما كان دينه أو جنسه، فهذا أسمى ما تدعو إليه الأديان.
وفي كلمتها بالمؤتمر طرحت د.عائشة المناعي عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، ومدير الجلسة الافتتاحية على الحاضرين سؤالين في غاية الأهمية، وهما هل من الممكن أن يقف الدين عقبة أمام حقوق الإنسان وحريته؟!، وهل يستطيع حوار الأديان أن يزيل تلك العقبة؟!.
وأضافت د.المناعي: هناك من أصحاب الأديان من لا يؤمن بمبدأ الحوار، ويبحث وينقب في النصوص المقدسة، ليستخرج منها نصوصا يلوي أعناقها ويفسرها بشكل خاطئ، ويتخذها مطية للعنف وإقصاء الآخر، في حين أن القرآن الكريم دائما يرشدنا إلى وحدانية الخلق.
وأكدت د.المناعي على إمكانية وحتمية العيش المشترك والحوار، والتفاهم بين أصحاب الديانات المختلفة، وأشارت إلى ضرورة معرفة كل طرف بالآخر، فالقيم الأخلاقية لجميع الديانات ذات أصول مشتركة.
وبنظرة واقعية قالت د.عائشة المناعي عميد كلية الشريعة بجامعة قطر: الاتفاق على الجانب اللاهوتي في الديانات أمر صعب التحقق، إلا أن هناك أرضية مشتركة بين الأديان، وهي الإنسان، الذي خلقه الله لعمارة الأرض، وذلك من خلال التضامن والتكافل بين البشر، ومن الأرضيات المشتركة معركتنا الواحدة ضد الإلحاد، والإباحية، والانحطاط الخلقي، والظلم.
ومن جانبه أشاد سعادة السيد د.أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجهود دولة قطر في قضية الحوار، ودورها الواضح في الإصلاح بين المتخاصمين.
وذكر الأمين العام بأن الحضارة الإسلامية سمت بمكانة الإنسان، وجعلت الإنسان محورا لها وعماد قيمها، وأشار إلى أن الإسلام أكد على التضامن والتكامل الإنساني، لكونها أحد الأسس التي تتأسس من خلالها الحياة الكريمة للإنسان، ومن وسائل الإسلام في تحقيق التضامن .. الزكاة، والصدقات، وتوفير فرص التعليم، والنصيحة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يخبرنا بأن مثل المسلمين كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، وأكد أكمل الدين أوغلو على ضرورة أن تقوم الإنسانية ببلورة مفهوم جديد للتضامن الإنساني مبنية على القيم الإسلامية.
وأشار الأمين العام إلى أن منظمة المؤتمر الإسلامي كانت أول من وضع قضية حوار الأديان على جدول الأمم المتحدة، وتبنتها الجمعية العامة، ليصبح عام 2001 عاما لحوار الحضارات، وأضاف بأن الدين الإسلامي يحترم حرية الفرد، فلا إكراه في الدين، ويدعو دائما للحوار.
وقال أيضا بأن القواسم المشتركة بين الأديان الإسلامية متعددة، وذكر من بينها اعتماد الحضارتين الإسلامية والغربية على الفلسفة والعلوم الإغريقية ، كمصدر من مصادر المعرفة، حيث بعث المسلمون ذلك التراث العريق، ليستلهمها الغرب فيما بعد، ومثلما كانت هناك مصالحة تاريخية بين المسيحية واليهودية، فإني أدعو لمصالحة تاريخية بين الإسلام والمسيحية.
وأشار في الجزء الأخير من كلمته إلى تبني مجلس حقوق الإنسان لتقرير جولدستون عن مأساة غزة، والتي ديست فيها كل القيم والشرائع الإنسانية، وذكر بأن منظمة المؤتمر الإسلامي كانت قد طالبت مجلس حقوق الإنسان إجراء تحقيقاتها حول تلك الجرائم، وطالب بأن يتخذ التقرير مجراه لمحاسبة مرتكبي تلك الجرائم.
وأكد د.أكمل الدين أوغلو على أن إسرائيل تعمل على تأجيج الفتنة والكراهية، وتعمل بشكل متواصل على تهويد مدينة القدس، وتسعى للاستحواذ عليها وطرد سكانها منها، وبالتالي سيساهم هذا في اتساع دائرة العنف والإرهاب.
وأسف الأمين العام أن بداية القرن الجديد جاءت متزامنة مع الحروب، والإرهاب، والإسلاموفوبيا، إلا أنه أكد على أهمية حوار الأديان لكونها الوسيلة الأنجع للمصالحة، كما طالب بإعمال العقل لخير الإنسانية، وخاصة أن الأديان تدعو للتسامح والأخوة الإنسانية، وتهدي الناس سبل الرشاد.
أما د.إبراهيم صالح النعيمي رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة لحوار الأديان فأكد في كلمته على أهمية التضامن الإنساني بوصفها طوق نجاة، بين الأمواج العاتية لكوارث الإنسانية المعاصرة، وبعد أن سرد جانبا من الكوارث الطبيعية، ومعاناة الإنسانية نتيجة للجوع والفقر والمرض، قال بأن البنية الاقتصادية الجديدة المتولدة عن العولمة عمقت التفاوت بين البشر، وضاعفت الفجوة، وأضاف: وتأتي النزاعات العرقية والصراعات الطائفية والدينية الحادة، لتشكل بقعا سرطانية تهدد البشرية.
وقال د.النعيمي بأن القرآن يؤكد على وحدة بني البشر، في مقابل نظريات التفوق العرقي، والتميز القومي أو الطائفي، واستشهد بقوله تعالى”يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.
وأشار د.إبراهيم النعيمي إلى وجود تحديات حقيقية تواجه التضامن الإنساني، ولم تعد المؤسسات الدولية التي قامت لأجل تفعيلها، قادرة على تجسيدها أو التعبير عنها، وأشار إلى أحداث المسجد الأقصى الأخيرة، وغياب النخب العاقلة عنها، وتساءل إن كان من اللازم بناء سفينة نوح جديدة لإنقاذ إنسانيتنا المشتركة؟!!.
وشدد على أنه لا مجال هنا للتخلي عن تحمل المسؤولية، فالإيمان الحقيقي لا بد وأن يكون مصدرا للاستنارة، والبصيرة الروحية، وأكد على أن مركز الدوحة لحوار الأديان يعمل من اجل الإعداد والتهيئة للتربية الصالحة، والحوار، والمثاقفة، وإلى تأسيس رؤية واحدة تبعثنا إلى الأعمال الصالحة التي امرنا الله جميعا بها، في التوراة والإنجيل والقرآن، وآن لنا أن نستدعي قيمنا الروحية الأصيلة، لنعبر عن خلق ومعان وأفعال جديدة، يجب أن نبرز مداركنا، وأن نتفاهم بشأنها، كي نكون تفاهمات جماعية لثقافة روحية بناءة، ومن هنا تكون البداية.
وعبر د.إبراهيم النعيمي في ختام كلمته عن أسفه لعدم تمكن الإخوة في الأرض المقدسة من الحضور، وهم من شاركونا منذ البداية، وذلك للظروف التي يتعرضون لها في مدينة القدس الشريف، وهم لئن غابوا عنا، إلا أنهم معنا ونحن معهم، فالرؤية واحدة، تعبر عنها وحدة نسعى إليها لتطوقنا أكاليل السكينة، فإذا أزيلت الجدران تعود الأنوار المبعثرة لتصبح نورا.
هذا ويشارك في المؤتمر نخبة من الشخصيات الدينية المرموقة والعلماء، والمفكرين، من أتباع الديانات السماوية الثلاث، ومن بين الحاضرين بعض الشخصيات السياسية مثل جورج غالاوي عضو البرلمان البريطاني، والمشير عبدالرحمن سوار الذهب الرئيس الأسبق للسودان.
ويبلغ عدد جلسات المؤتمر 17 جلسة، وبعض الجلسات تعقد بالتزامن، وستتضمن جلسات المؤتمر التي ستختتم اليوم مواضيع متنوعة، يجمعها الإطار العام وهو التضامن الإنساني، ومن بين هذه المواضيع “تجارب إنسانية في مواجهة الحروب والكوارث”، و”القيم الروحية وتحقيق الوحدة والتضامن”، “رؤى الأنظمة المالية والدينية تجاه الأزمة الاقتصادية”، ومن المواضيع الهامة التي ستتم مناقشتها “تضامن الدفاع عن الحقوق والحريات الدينية”، وموضوع “تضامن الدفاع عن الأماكن المقدسة”.

التعليقات مغلقة