يمثل الصراع بين الشرق والغرب، قضية مركزية في العلاقة بين الإسلام والغرب منذ اللقاء بينهما، وربما لهذا السبب عبر بعض الكتاب عن هذا الاختلاف الجوهري بعبارة: الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا.
 وهذا الصراع يعبر عن نفسه بصورة عملية وملموسة في جميع الميادين في وقتنا الراهن في أوضح صورة وأجلاها وتترجمه تصريحات العديد من رجال السياسة والثقافة، والدين. وقد تجلى هذا في حديث أحد الباحثين العرب الأقباط الذين يعيشون في الغرب، ويدركون حجم الصورة النمطية المشوهة عن الإسلام في العالم كله، في بحث له بعنوان دال ومعبر عن المعنى المقصود وهو “حيرة العالم من الإسلام والمسلمين” فيقول:
“هناك أزمة حقيقية يواجهها الغرب في التعامل مع المشروع الإسلامي الدولي أو بمعني أوضح مع الإسلامية الدولية بشقيها القيمى والعنيف، وبدا وكأن مشروع الإسلامية الدولية انفجر في وجه الغرب كله من أمريكا إلى أوروبا إلى استراليا، وبدرجة أقل في وجه العالم كله من الهند إلى الصين إلى روسيا ومن اليابان إلى الفلبين ومن جنوب إفريقيا إلى البرازيل.
لم يعد فقط العنف القادم من البلاد الإسلامية هو الخطر على الغرب، وإنما أيضا العنف المتصاعد من الجاليات الإسلامية في الغرب، وخاصة وأن اختلاف منظومة القيم لم يؤد فقط إلى انعزال المسلمين فيما يشبه الجيتوهات في الغرب، ولكن هذا الاختلاف القيمي أصبح مقرونا بالعنف من قبل بعض أفراد هذه الجاليات الإسلامية، بحجة أن من ينتقد قيمنا وثقافتنا وديننا سنواجهه بالعنف، وأن التمسك بهذه القيم يأتي أحيانا على حساب احترام القانون. هناك عدد كبير من العناوين التي تشكل حيرة في الغرب تجاه المشروع الإسلامي.”([1])
هذه الأزمة أو الصدام بين العالم الإسلامي والغرب، لعب برنارد لويس دورا كبيرا في تعميقها وإبرازها وتضخيمها، كما سعى إلى تأكيدها في جميع أعماله، بصورة تجرح موضوعيته ونزاهته كباحث محايد في حديثه عن قضايا الإسلام والعالم الإسلامي وعلاقته بالغرب، وذلك عن طريق تعميق الفجوة بين الطرفين، والحرص على إظهار الإسلام كعدو حقيقي يتربص بالغرب، ويريد أن ينقض عليه ويخضعه لسيادته ويفرض عليه قوانينه وشرائعه، ولا يرضى من الغرب الكافر سوى الإسلام أو الخضوع ودفع الجزية وهم أذلاء صاغرون. 
فالخلاف بين الإسلام والغرب ليس اختلافا في وجهات النظر والرؤى، يجب على كل طرف احترام وجهة نظر الطرف الآخر، ولكنه اختلاف في المبادئ ومنظومة القيم والأسس المعرفية لدى الطرفين، بمعنى آخر اختلاف في طبيعة كل من الإسلام كدين جامد لا يقبل بالتطور- كما يفهم من تحليله – ولا يعترف بالآخر، وبين الغرب الذي أسس أقوى حضارة وأحكم سيطرته على العالم ويعيش حياة تقوم على الحرية والمساواة، نتيجة لإيمانه بالعلمانية، كفكرة غربية مسيحية المدلول والمحتوى والمضمون، وتخلصه من الرؤية الدينية التي تحكم وتسيطر على العالم الإسلامي.([2])
وهذا ما يتضح في أطروحته الفكرية تجاه الإسلام والعرب،من خلال مقارنته الدائمة بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي بما يؤكد على صدق رؤيته على أن الإسلام كان ومازال يمثل خطرا وتهديدا مباشرا للعالم الغربي وقيمه ومبادئه، لأن طبيعة الإسلام جامدة لا تقبل التطور والتغيير. كما أن أي تطور للأصول والمبادئ الإسلامية يعد تحريفا وهرطقة وزندقة، مما دفع آلان جريش أحد نقاد لويس للسخرية من هذا الموقف الأيديولوجي من الإسلام بقوله:وعلى الأرجح، إنّ أحد العلماء الأميركيين سيكتشف قريباً جينة الإسلام لتفسير ما “يفرّقهم” عن سائر العالم المتحضّر.”([3])
فالصدام بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي يبدأ من الأسس الفكرية والمفاهيم الدينية، فالمصطلحات تحمل مضامين مختلفة، بين الطرفين المتصارعين، حتى مفهوم الدين نفسه يختلف معناه في الإسلام عنه في المسيحية، فلويس يقارن بين معنى مصطلح الدين في الغرب وبين معناه في الإسلام، ويرى أن مفهوم الدين في الإسلام يختلف عنه في المسيحية، حتى مسيحية العصور الوسطى. فالإسلام ليس فقط عقيدة وشعائر تعبدية، ولكنه نظام حياة يشمل الحضارة والقانون الجنائي والدستوري، فمفهوم الدين في الإسلام يحتمل من المعاني ما لا يحتمله المعنى في المسيحية.([4])
ويحمل مصطلح الجهاد أيضا معنى مختلفا لدى الطرفين، وذلك على الرغم من طرح الجهاد على أنه المقابل الإسلامي للحرب الصليبية، وينظر للمصطلحين على أنهما مترادفان Jihad and Crusade  هذا بالإضافة لاستخدام كل من الإسلام والمسيحية لغة مشتركة في كثير من الأحيان خصوصا في العصور الوسطى مثل استخدام الحجج نفسها والمناهج في مجال الجدل الديني حول مسائل العقيدة، وفي تكفير كل طرف للآخر.([5])
ويوضح الاختلاف بين مفهوم الجهاد في الديانتين، فالحروب الصليبية تعد تطورا متأخرا في التاريخ المسيحي، وتمثل ابتعادا جوهريا عن القيم المسيحية الأساسية كما جاءت في الأناجيل. بخلاف الجهاد الإسلامي ضد الكفار الذي يمثل واجبا دينيا منذ ظهور الإسلام وحتى الآن ولم يطرأ عليه تطور دلالي ولا فقد معناه أو مدلوله الأصلي منذ ظهور الإسلام.([6])
وقد تناول لويس قضية الاختلاف والفرق بين القيم والمفاهيم الغربية ليؤكد على أن الصراع بين الحضارتين الإسلامية والغربية هو الأصل.
جملة القول أن لويس يريد من خلال هذا العرض والتحليل التأكيد على أن الحرب الصليبية عمل عادل ومشروع من أجل استعادة الأراضي المقدسة التي احتلها المسلمون، وهي حرب طارئة لا تعبر عن جوهر المسيحية، التي تنادي بالسلام، بخلاف الجهاد الذي يعد فريضة دينية أكدت عليه الأصول الإسلامية ومارسه عمليا الرسول وصحابته من بعده والمسلمون عبر تاريخهم وخصوصا ضد الغرب الكافر.
فالحرب- حسب تحليل لويس- جزء أصيل من بنية الإسلام، وهذا دليل على عدوانيته كدين عالمي يجب نشره في كل مكان، من أجل هداية الأمم والشعوب إلى الحق، وإنقاذهم مما هم فيه من ظلمات الجهل والكفر. وهذا مما أكده الواقع العملي منذ بداية الإسلام في عهد النبي محمد، وحتى عهد الأتراك الذين سيطروا على أجزاء من الغرب المسيحي الكافر، من أجل تمكين أتباعه من اعتناق الإسلام دين الحق.
ويؤكد لويس على أن سيكولوجية المسلمين هي التي بحاجة لعدو دائم وليس الغرب وذلك في معرض إجابته على السؤال الملح على الساسة وصانعي القرار في الغرب في الوقت الحاضر حول التهديد الإسلامي للغرب. ومعظم الإجابات الغربية حول هذا السؤال مضلل، ويمكن تلخيص ذلك في موقفين:
الأول: أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والحركة الشيوعية، حل الإسلام والأصولية الإسلامية محلها، باعتبارهما التهديد الأكبر للغرب، ولنمط الحياة الغربي.
والثاني: يرى أن المسلمين أناس محترمون أساسا ومحبون للسلام وأتقياء، وإن كان بعضهم قد تعرض لأكثر مما يحتمل بسبب المآسي العديدة التي ألحقناها نحن الغربيين بهم، وقد اخترنا أن ننظر إليهم كأعداء لأننا سيكولوجيا نحتاج إلى عدو يحل محل الاتحاد السوفيتي المنهار.
وكلا الرأيين في نظر لويس خاطئ إلى حد خطير، رغم احتوائه على بعض الحقيقة. فهناك أعداد متزايدة من المسلمين، في أماكن شتى ترغب في قيام علاقة صداقة وتعاون مع الغرب، وترغب في نمو المؤسسات الديمقراطية في بلادها، لكن الجماهير العظمى من المسلمين من الأصوليين وغيرهم يعتبرون معادين وخطرين، وبحاجة إلى عدو، وليس الغرب الذي يحتاج إلى ذلك.
وهؤلاء يصبون جام غضبهم على الغرب كعدو دائم، وخصوصا الولايات المتحدة، لأنها العائق أمام الإيمان بالله والعمل بشريعته في الداخل، وفي سبيل انتصار الإسلام في الخارج، ولا سبيل إلا بمواجهتها في ساحة القتال التزاما بما تأمر به العقيدة الإسلامية. كما يوجد أيضا من المسلمين، من يرى أن الغرب عدوهم الأكبر ومصدر كل شر، لكن يجب مواجهته الآن حتى تكتمل شروط المواجهة في معركة فاصلة.([7])  
 وتأكيدا على عدوانية المسلمين واستفزازهم الدائم لليهود والنصارى بصورة واضحة، وطعنا في ديانتهما، يرى لويس أن إنشاء مسجد قبة الصخرة في القدس في عام 691 أو 692 ميلادية كان أكبر دليل على ذلك. فيقول:
“وينطوي إنشاء هذا المعبد الأثري في موقع المعبد اليهودي القديم، وعلى طراز الأبنية الأثرية المسيحية وبالقرب منها، مثل قبر المسيح وكنيسة القيامة، على رسالة واضحة موجهة لليهود، بل وربما، وهذا هو الأهم، إلى المسيحيين أيضا. فما أوحي إليهم، رغم أنه كان صحيحا في يوم من الأيام، تعرض للإفساد بسبب عدم جدارتهم بحفظه مما أدى إلى أن يلحق به الوحي الخاتم والكامل الذي جاء به الإسلام. فكما أنه تم تجاوز اليهود وجاء بعدهم المسيحيون، فإن النظام المسيحي في العالم ستحل محله الآن العقيدة الإسلامية والخلافة الإسلامية.”([8])
ونتوقف مع بعض المقارنات التي يجريها لويس بين القيم والمبادئ الغربية مع نظيرتها في الإسلام، من أجل تأكيد تفوق ورقي القيم الغربية، في مقابل المبادئ والقيم الإسلامية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى بيان اختلافهما وتناقضهما من حيث البنية المعرفية والأسس الفكرية، بما يدعم أطروحته حول صراع القيم والمبادئ بين العالمين الغربي المسيحي والشرقي الإسلامي.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك، حديثه عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحداثة، والمرأة والعلمانية، وغيرها من القضايا الذي تناولها، ونكتفي بالإشارة السريعة لبيان وجهة نظره في بيان موقف المسلمين من العلمانية.

1      مجدي خليل: حيرة العالم من الإسلام والمسلمين – بحث في إيلاف نشر على مجموعة حلقات الحلقة الثالثة.
2      انظر أين الخطأ – ص 143-160.
3      آلان جريش: جينة الإسلام – بحث على الانترنت.
[4]         Lewis: Islam and the West, p. 4.
[5]         Ibid, p. 4-7.
6      لويس: أزمة الإسلام – ص 78 وما بعدها. وانظر
            Lewis: Islam and the West, p. 8-15.
7      أزمة الإسلام – ص71 وما بعدها.
8      السابق ص 82.

التعليقات مغلقة