قدم الأستاذ الدكتور ابراهيم كافي دونماز رئيس جامعة 29 مايو بإسطنبول ندوتين بمقر كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في يوم الاثنين  25/11/2013  والثلاثاء 26/11/2013م .
كانت الندوة الأولي بمسمي  تقييم وظيفة الإجماع والاتجاهات المعاصرة في هذا الموضوع
ركز في كلمته على الأقوال التي قيلت في الخلفية التاريخية لدليل الإجماع في المنظومة التشريعية الإسلامية، من المتطلبات السياسية والاجتماعية، ومن النظم الاجتماعية للأديان (church) وفكرة الجاذبية (charisme) المبنية على هذا المفهوم وكذلك على واقعة أن مؤسس الدين يترك تأثيره الشخصي أو جاذبيته الشخصية بعد موته إلى التأثير الرسمي أو الجاذبية الرسمية (المؤسسية) والتي تنتج عنها مفهوم “صون الخطأ” (العصمة) ثم يدعون انطلاقًا من تلك المعلومات أن الإجماع في الإسلام كان يستند على الأسس الفكرية نفسها. ونتج عن ذلك أيضًا تأسيس أوجه التشابه بين “الاُمة” في الإسلام و “samgha” (sangha) في البوذية، و “Sanhedrin” في اليهود و”الكنيسة” في النصرانية، وزعم بعض المستشرقين كذلك بأن مفهوم اتفاق العلماء في الإسلام يتطابق مع سلطة الحكم الذي أقره الإمبراطور الروماني سويروس في القانون الروماني باسم “opinio prudentium” يعني: آراء أصحاب العقول والحكمة والبصيرة.
ورأى الأستاذ المحاضر أنه بدلاً من التوضيحات المحدودة لظروف ومتطلبات عهود معينة أو القيام بتأسيس التشابه بين مفاهيم ومؤسسات الأديان أو الثقافات الاُخرى عند دراسة الاُسس التاريخية والفكرية للإجماع؛ يكون من الأولى والصواب تقييمه ضمن حركة تطور أصول الفقه مع الإشارة إلى أن الإجماع اكتسب مفهوماً خاصاً به داخل التيار الطبيعي لهذه المرحلة، وأنه مفهوم أصليّ للبيئة الإسلامية. وإن عدم الوقوف ضد مفهوم الإجماع عند بدأ الحديث عنه يدل على عدم استصواب المخالفة في الأحكام التي فهمها جميع المسلمين بالصورة نفسها في العهود التي لم تستعمل فيها مفهوم الإجماع بعد. فمثلاً يتبين أنه خلال بداية نطرية الإجماع لم يقف أحد ضده أساسا بعكس ما حدث في موضوع الاستحسان أو القياس. وقد نتجت الاعتراضات على الإجماع في الحقيقة بسبب عدم القبول بوقوع الإجماع بمعناه النظري، أي مطابقة للشروط الواردة في الكتب الأصولية.
وركز الأستاذ المحاضر على وجوب فصل الجانب التطبيقي للإجماع عن جانبه النظري، فعند النظر إلى الموضوع من الجانب التطبيقي يُشاهد في التحليل الأخير للأحكام التي طُبق عليها إجماع جميع علماء المسلمين؛ لم يبين أي مجتهد منذ عهد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عليها قناعة مختلفة، وإنها تُمارس على نفس الشكل من قبل الأمة الإسلامية، وبأسلوب آخر تشير هذه الأحكام إلى الرمزية في الدين الإسلامي. وأن الأحكام التي ذكرها الشافعي بـ”جمل الفرائض” والتي تحتل مكانا متمركزا بين هذه الأحكام تحتوي باختصار على الأوامر والنواهي القطعية في الإسلام.
وبعبارة أخرى فإنه لا بد من فهم الإجماع لا على أساس أنه أسلوب يقلل من اختلاف المسلمين في آرائهم، بل على أساس أنه مبدأ يسدُّ الباب أمام من يريد أن يُؤَوِّلَ النصوص المتعلقة بأحكام الإسلام الأساسية التي تمثل الإسلام ويمنع من اختلاط أذهان المسلمين بشأن هذه الأحكام التي تلقاها المسلمون أحكاماً غير قابلة للتغير، بل وجعلوها امتدادًا للأساسات العَقَديِّة، وبهذا يكون الإجماع ذلك المبدأ الذي يضمن وحدة دين المسلمين ووضوح صورته بمعالمها الأساسية لديهم على اختلاف عصورهم وأمصارهم، وعليه فإننا إذا ما نظرنا إلى الإجماع من هذه الزاوية رأينا أن قَصْر الإجماع على أحكام معدودة لا يُقلل من أهميّته ولا يَحُطّ من قيمته أوْ قَدْرِه.

وانطلاقاً من هذه النتيجة العمليّة فإنّ علينا ألّا ننظر إلى الإجماع على أنّه نوعٌ من أنواع الاجتهاد بل على أساس أنه مبدأ يضمن إجراءَ الاجتهاد على نحوٍ سليم وصحيح، ومن هنا لا بد من أن نَخْلُصَ إلى أن آليّة إنتاج الحلول لا تكمُنُ في الإجماع بل تكمنُ في الاجتهاد.

اما الندوة الثانية فكانت تحت مسمي ماهية الاستحسان، بدأ الأستاذ المحاضر كلامه بأنه قبل كل شيء ينبغي أن نفيد بأن الاستحسان مفهوم ثرىّ المحتوى. ويجب للقيام بتثبيت مكانته بين الأدلة الشرعية بشكل سليم، يجب تحليل استعمالات هذا المفهوم أي تطبيقات الاستحسان بدقّة والسعي لكشف العالَم الذهني والتفكير الحقوقي وراءه.

نعم، إن الاستحسان دليل يمكن تشغيله في جميع أنواع الاجتهاد، ولكن تقديمه كدواء لكل داء موقفٌ مبالغ، فلا ينبغي تسمية كل حلّ يُعجَب به في الوهلة الأولى أثناء البحث عن الحلول الفقهية استحساناً. ويجدر بالباحث أن يلتزم بإطار علمي له حين استخدام هذا المفهوم.
وثمة سؤال يطرح نفسه، ألا يمكن أن يتوصل فقيه شافعي ذو كفاء علمية، وله معرفة واسعة بالروح المتحكمة في النصوص إلى نتائج سليمة دون أن يستعمل مفهوم الاستحسان؟ أظنّ أننا نجيب على هذا السؤال بالإيجاب. إذن ستكون الغاية من طرح الموضوع المحاولة نحو “قراءة صحيحة” للمنهجية التي تبنت هذا المفهوم وتحديد طريقة الوصول إلى الحلول بالاستفادة منه.
وقدم الأستاذ المحاضر خلاصات في الموضوع توصل إليها، ومنها:
1.                       استخدام كلمة الاستحسان لحالات تقابل مفهوم “صلاحية التقدير للقاضي” التي تفيد تنظيم النص للقضية بخطوطها العريضة، وترك تعيين بعض التفاصيل للفقيه/للقاضي مثل تقدير مقدار النفقة.
2.                       الفقيه في قضية الاستحسان له القناعة التالية: الحل الجاهز في ذهنه الذي كان يطبقه على نظائر القضية المعروضة ليس مقنعاً ومُرضياً، ويجب عنه العدول بوجه ما/ أو سبب ما، وهذا الحل الذي عُدِل عنه يسمّى قياساً. وهذا يمكّننا من القول بأنّ الاستحسان باعتبار طابعه “منهجٌ ذو طابع سلبي”. ولا نقصد بالسلبية هنا ان الحلول الاستحسانية سلبية باعتبار نتائجها.
ففي الاجتهاد الاستحساني فإنّ الفقيه ليس بحاجة إلى إيجاد حل، بل الحل موجود، ولكنه بحاجة إلى العدول عن الحل الموجود في ظروف القضية المعروضة لدليل خاص يوجهه إلى ذلك العدول.
3.                       التوضيحات المعروفة التي نعوّل عليها في تعليم أصول الفقه حول خاصية الحلول التي عُدل عنها وكذلك الحلول التي يصار إليها مع مخالفتها للقياس، لا شك أنها مفيدة ومهمة. ولكن أثناء دراسة هذا الموضوع ينبغي الاهتمام بأمثلة يلاحظ فيها استخدام مفهومَيْ القياس والاستحسان ولكنها في حقيقة الامر متعلقة بتطبيق بعض المناهج والمبادئ الاساسية للحقوق مثل مبدأ “الإنصاف” ومبدأ “منع التحايل على القانون” أو يرجع فيها إلى دليل الاستحسان لعدم تكوّن بعض النظريات الفقهية بعدُ، مثل نظرية الجريمة.
4.                       إن المنهج الذي يسمى بـ”المنهج الانتقادي” في عمل مناهج الحقوق يستهدف اختبار الصحة المنطقية والصحة الأخلاقية والصحة الثقافية/الاجتماعية للحقوق، وإذا نظرنا إلى الموضوع من هذا المنظار نستطيع القول بأنّ الحنفية والذين يرون مثل رأيهم يطبقون المنهج الانتقادي سواء للصحة المنطقية أو الأخلاقية أو الثقافية/الاجتماعية لفقههم بدون تسميات خاصة وباكتفاء استخدام مفهوم الاستحسان.

التعليقات مغلقة