csis-conf-logo

 في ظل تغيّرات متسارعة في العلاقات الدولية والصراعات الإيديولوجية والدينية، والتشابكات العرقية والمذهبية، وتنامي النزعات العنصرية وتضخمها، بما ترك آثارًا على وعي الإنسان المعاصر وتكوينه العقلي و الفكري والنفسي، وأسهم في تقوقعه وتوسع نزعته الهادمة، أدى بالمقابل إلى حدوث ردات فعل مختلفة وتأثيرات واسعة في فهم و إدراك طبقات واسعة من المجتمع العالمي لضرورة الحوار والتفاهم العيش المشترك، وأسهمت هذه الجهود في تغيّر وجهات النظر والقناعات التقليدية التي كان عمادها المدونات الصحفية والمعلومات والأخبار المثيرة المحشوة بالروح العدائية والإقصائية والاحتقارية. و كشف الحوار الحضاري الذي يعرض بأساليب جديدة، وعبر التحولات الحديثة في وسائل الاتصال و الإعلام عن ذاكرة مشتركة في القيم والأخلاق والمعالم والفن والموروث الشعبي والرموز، فأحدث بذلك توسعاً كبيراً في نوع و أعداد المستقطبين والمتلقين لفكرة تكامل الثقافات والحضارات وتعايشها وتقاربها، على مستوى ( الصغار و الكبار، الكهول و الشباب، الرجال و النساء، المتعلمين و الأميين، والنخبة…).

وإن الحوار الفعال، لابد أن ينطلق من مبادئ ثابتة وقواعد واضحة، لا مجال فيها للتلون والتغير بحسب الظروف، وأن نجعل منها المرجعية العليا في البناء الحضاري للإنسانية. وأول هذه القواعد والمبادئ؛ الاعتراف بشرعية الاختلاف والتنوع، لأن ذلك هو طبيعة الحياة والخِلقة التي أرادها الله تعالى؛ قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(الحجرات، الآية 13). وقال:( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)(البقرة، الآية 251). ثم الاعتراف بالمصير المشترك في هذه الأرض، وأنه لا فضل لأبيض على أسود، ولا لملة على أخرى إلا في إطار الإبداع الإنساني ومكارم الأخلاق، بما يؤدي إلى المنافع المشتركة للجميع وتأمين المصالح للكافة في ميادين الحياة المختلفة، والسعي لرفع ومحاربة الظلم والعدوان ضد أي كان، وإزالة أسباب الصراعات التي يذهب ضحيتها في الغالب الأبرياء. ولذلك لابد من تبني المسلّمات القائمة على أن الحوار والتسامح والتعايش؛ قيم تحتاج إلى عملية متكاملة ومنظومة مترابطة، تقتضي إيجاد البيئة الصالحة التي تحتضن فكرة التعايش الإنساني، حتى تصبح ثقافة عامة وتيارا فكريا يسري في المجتمع العالمي؛ ليكون مجتمعا متضامنا متآخيا، تسوده روح التآلف والتآزر والاحترام المتبادل للأفكار والمعتقدات والاختيارات السائدة بين شعوبه ودياناته وطوائفه وأطيافه، على أن ترتبط هذه الاستراتيجية بمنظومة القواعد الناظمة لعلاقات الناس فيما بينهم وأن لا تخضع للإكراهات السياسية والظروف التاريخية والسياقات الواقعية، ليكون الحوار وسيلة ناجعة وأداة فعالة لعملية البناء الحضاري الذي يمر حتما عبر بوتقة التعايش الإنساني.

ومما آمنت به كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وحرصت على توطيد علاقتها به وتدعيمه معنويا وفكريا وثقافيا، دور الطالب الجامعي، ليقينها بأن الطالب هو رجل المستقبل، ومرآته ، يجسد حالة من الوعي المتنامي ويشيع روحا جديدة متفائلة في المجتمعات، أمام صمت محيّر لكثير من عقلاء الإنسانية تجاه عديد القضايا الخطيرة المهددة للأمن العالمي، وفي مقدمتها التطرف والتعصب والكراهية، خاصة فيما بات يعرف بالإسلاموفوبيا. فتصبو الآمال إلى حملة السلام والأمل ورسالة الإخاء، للمبادرة لتصحيح مسار الإنسانية والمساهمة مع العقلاء في العالم في التدافع السلمي والتنافس الحضاري الشريف، الباني للإنسان والأوطان، في المستويات الاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية والدولية.

كما تحرص كلية الشريعة والدراسات الإسلامية على التعاون مع مختلف المؤسسات والمنظمات الوطنية والدولية، على تفعيل الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وتجسيدها في برامج ومشاريع عملية، تحاول بها أن تعيد بث الحركة في الكثير من الميادين والمعالم المشتركة، وتوجيه النظر إلى رموز وأعلام التعايش، باعتبارها صوتا للمصلحة الواحدة والهدف الواحد للحضارات، وسعت وتسعى لبرمجة أنشطة وفعاليات وورش وندوات وزيارات سياحية بهدف استبدال المفاهيم الخاطئة بين أتباع الحضارات والأديان والثقافات وبنظرة أكثر موضوعية ومصداقية واحترام، تنأى عن التعصب وتنبذ فكرة الصدام، في الكثير من المجالات والميادين الثقافية والدينية والمادية. وبالتعاون مع هيئات ومؤسسات ناشطة في هذا المجال.

 وفي هذا السياق تأسس كرسي  الإيسيسكو لتحالف الحضارات في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وهو منتدى علمي أكاديمي دولي يتم تأسيسه بالتعاون بين جامعة قطر والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ ، ويعتبر حلقة من حلقات متميزة بدأتها دولة قطر في مجال العمل الدولي الحضاري والدعوة للحوار بين الثقافات والأديان وتحالف الحضارات، وقد أخذت الجامعة بعين الاعتبار التعليمات الموجهة من قبل أمانة مجلس الوزراء القطري، والتي تدعو إلى  ضرورة تفعيل دور الجامعة التعليمي في تجسيد التحالف بين الحضارات بما يتماشى واستراتيجية دولة قطر الرائدة في الرؤية الوطنية 2030 ، وما نصت عليه خطة قطر لتحالف الحضارات للفترة 2013 ـ 2016 من إدخال موضوع تحالف الحضارات ضمن المقررات الجامعية التي يَدرسها طلبةُ جامعة قطر.

التعليقات مغلقة